سمارة عضو ذهبي
عدد المساهمات : 61 تاريخ التسجيل : 30/08/2011 العمر : 34 الموقع : https://sh-5-stars.yoo7.com/profile?mode=editprofile العمل/الترفيه : footboll المزاج : رايق mms : sms : [updown]الحمد لله على كل حال[/updown]
| موضوع: فضيلة الشيخ : أحمد شريف النعسان - مفتي منطقة الباب . الجمعة سبتمبر 09, 2011 1:57 am | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فيا عباد الله: الابتلاء للمؤمن كاللهب للذهب, والابتلاءات تُظْهِر إيمان العبد, وبالابتلاءات يميِّز الله عز وجل العليمُ الخبيرُ بين الصادق والكاذب, وإنني وأنا أتطلَّع إلى المسلمين خلال هذا الأسبوع, والغلاء الذي وقع على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, هذا الابتلاء والاختبار الذي وقع بأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدأ الناس يعالجونه, ولكلٍّ وجهة هو موليها.
وأما بالنسبة لنا فينبغي علينا كذلك أن نعالج هذا الأمر, لأن مولانا جل في علاه قال لنا في كتابه العظيم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}, فديننا يعالج كل قضية تقع بأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, بل تقع بالبشرية جمعاء, يعالج كل قضية وقعت وستقع في المستقبل, لأن إسلامنا هو الذي يُصلح المجتمعات كلها بإذن من الله عز وجل. أنا لا أقول: الإسلام صالح لكل زمان ومكان, بل أقول: كل زمان وكل مكان لا يُصلحه إلا الإسلام.
يا أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تعالوا في هذا الأسبوع لنعالج هذه القضيّة التي شغلت الفؤاد, بل طاشت بالعقول وكاد الناس أن يخرجوا من عقولهم, لنعالجَ هذه القضية من كتاب الله عز وجل, ومن سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, فإن ما وقع ليس مقصوراً على هذه الأمة في هذه الآونة, إنما ينبغي علينا أن نتذكر قول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
روى الإمام أبو داود والترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: غَلا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ, وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ). وإني أقول لكل أخ مسؤول عن هذا الموضوع, تذكَّر يا أخي سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ).
تعالوا لنعالج هذه القضية من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ).
أولاً: ينبغي علينا أن نعلم أين يكمن رزقنا, ورزقنا بيد من؟ هذه عقيدة ينبغي ألا تتزعزع في قلوبنا, لأننا نسمع دائماً من خطيب الجمعة: فاعلموا أنه لا يضر ولا ينفع, ولا يعطي ولا يمنع, ولا يصل ولا يقطع, ولا يخفض ولا يرفع, إلا من؟ إلا الله, هذه عقيدتنا, ينبغي علينا أولاً أن نعلم بأن مصدر رزقنا هو الله عز وجل, أنسينا قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين}؟ أنسينا قول الله عز وجل: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُون}؟ نسينا قول الله عز وجل: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}.
أيها الإخوة: من عرف أن رزقه على الله توجَّه إلى الله ولم يتوجّه إلى غيره. امرأة غاب عنها زوجها, فدخل النسوة عليها وسألوا: أين زوجك؟ هل ترك شيئاً من المال؟ فقالت الزوجة المؤمنة صاحبة العقيدة السليمة: إن عهدي أن زوجي أكَّال وليس برزَّاق, ذهب الأكَّال وبقي الرزَّاق, وهو الله.
سليمان بن عبد الملك, طلب أن يلتقي مع عالم من العلماء, وهذا شأن الأمراء والحكَّام الذين يحسبون الحساب ليوم الحساب, صلتهم مع العلماء العاملين الذين يقدِّمون لهم النصح, مع العلماء الذين تساموا على الدنيا بما فيها, لأنهم كانوا متوجِّهين إلى الله عز وجل. فالتقى به في المسجد الحرام عند الكعبة المشرَّفة, فبعد أن سمع الأمير من العالم قال له: سلني حاجتك, فقال العالم: لا أسأل غير الله في بيت الله. فألحَّ عليه, فأبى, فالتقى معه خارج المسجد, فقال: سلني حاجتك, فقال له: والله ما سألتها من يملكها, أفأسأل عنها من لا يملكها؟! {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}. فألحَّ عليه الأمير أن يسأله حاجته, فقال: أسألك الجنة, فقال: هذه لا أملكها, قال: ليس لي حاجة إلا هذه.
أيها الإخوة: من عرف أن الرزَّاق هو الله, توجَّه إلى الله, وربما أن يفعل كما فعل هذا العبد الصالح أن لا يسأل الله الدنيا, ولماذا يسأله الدنيا وهو الذي يعلم بأنه جلَّ في علاه هو الذي استدعاه إلى هذا الوجود, أيستدعيه إلى هذا الوجود وينساه؟ معاذ الله, لأننا نعتقد أن الرزاق إنما هو الله, هذه هي النقطة الأولى.
الثانية: أن أعلم بأن رزقي مقسوم, يقول ربنا تبارك وتعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}, نسينا الحديث الصحيح الذي حدَّثنا فيه صلى الله عليه وسلم عن قصة خلقنا ونحن في أرحام أمهاتنا, يقول صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ, ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) رواه البخاري ومسلم. قبل أن تُنفَخ فيك الروح كتب الله رزقك, ورزقك في يده جل في علاه, ولذلك حذَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اسمع يا أيها المضطرب, يا من أصبح القلق ملاحقاً له صباحاً ومساءاً, ويا من أصبح يبكي على رزقه ويفكر فيه. روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن روح القدس نفث في روعي, وأخبرني أنها لا تموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها وإن أبطأ عنها, فيا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب, ولا يحملن أحدَكم استبطاءُ رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه, فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته).
كن على حذر من المعصية, من الربا, ومن الرشوة, ومن تطفيف الكيل والميزان, ومن الاحتكار, ومن التدليس, ومن أكل أموال الناس بالباطل. أتريد رزقاً واسعاً؟ فلا تدرك هذا إلا بطاعة الله, مشكلتنا أننا نعلم ولا نعمل, يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}, ويقول سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}! أين التجاؤنا إلى الله عز وجل أيها الإخوة؟
النقطة الثالثة: لنعلم أننا ما خُلِقنا إلا للابتلاء, ليرانا الله عز وجل شاكرين في الرخاء, ومن الصابرين في الابتلاء, يقول ربنا تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ}, أنت خُلقت للابتلاء, ويقول سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون}, وهذا من جملة الفتنة, ليراك الله عز وجل شاكراً في الرخاء, صابراً في البلاء. وانظر إلى سيدنا سليمان عليه السلام قال فيه مولانا عز وجل: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب} لأنه كان شاكراً, وانظر إلى سيدنا أيوب عليه السلام قال فيه مولانا عز وجل: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب}, لأنه كان صابراً. وأما نحن أيها الإخوة, ففي الرخاء غير شاكرين, وفي البلاء غير صابرين, راسبون في العطاء وفي المنع, وهذا ليس من شأن المؤمن, شأنُ المؤمن أن ينظر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يدخل على بيوته فيقول: هل عندكم من طعام؟ فإن قالوا: لا, قال صلى الله عليه وسلم: إني صائم [رواه النسائي وعبد الرزاق وابن عبد البر في التمهيد].
الأمر الرابع: لنتساءل من خلال قول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}, لماذا ننزعج من كلمة الحق أيها الإخوة؟ تضايقنا, وربما لعن البعضُ البعضَ, وربما قال البعض: ما هذا الظلم والجور؟ نعم لنقل: ما هذا الظلم والجور؟ ولكن لنرجع إلى أنفسنا في الدائرة الضيقة ثم الأوسع ثم الأوسع, أين الرحمة من الزوج لزوجته, ومن الزوجة لزوجها, ومن الوالد لولده, ومن الولد للوالد؟ أين الرحمة فيما بين بعضنا البعض؟ أين رحمة التجار بالعمال؟ وأين رحمة العمال بالتجار؟ وأين تقوى الله في الموظفين في الدوائر العامة؟ وأين رحمتنا على بعضنا البعض؟ الكبير لا يرحم الصغير والصغير لا يرحم الكبير, والحاكم لا يرحم المحكوم والمحكوم لا يرحم الحاكم, هكذا وضعنا, وإن كان هذا حالنا فربنا عز وجل يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}, لنشم رائحة كفِّنا أيها الإخوة, نحن الذين دمَّرنا أنفسنا بأنفسنا, ظلمٌ ورشوةٌ وربا وسرقة من الأموال العامة وتطفيف للكيل والميزان, ومخالفة لأولياء الأمر فيما يتعلق بالأمور العامة, لأن طاعة ولي الأمر واجبة في غير معصية لله عز وجل, يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}, تجاوزنا وتعدينا على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة أولي الأمر, ثم إذا نزل البلاء قلنا لم؟ {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.
أيها الإخوة: أخيراً أقول: إذا كنا جادّين في معالجة هذا الأمر, وإذا كنا صادقين في الخروج من هذا الضيق ـ ضيق الرزق ـ ونحن عرفنا بداية أن الأمر بيد الله, إن أردنا ذلك فالمفتاح بأيدينا, وقد تتعجب, نعم المفتاح بأيدينا, لأن الضيق الذي وقعنا فيه ليس بدرجة الضيق الذي وقع فيه سيدنا يونس بن متى عليه السلام, في بطن الحوت, دخل بطن الحوت, وهل هناك ضيق أشد من هذا الضيق؟ ولكن ونحن ننظر إلى أبنائنا في هذه الآونة, تنظر إلى ولدك يضحك ويلعب ولا يبالي بمسألة الغلاء, وإن سألته لم؟ يقول لك: لي أب متكفِّل بي, هو لا يسأل عن موضوع الغلاء, طفل يقول: ليس أب فليس لي كرب, وأنت أيها المؤمن لك رب أيكون لك معه كرب؟ والله إن هذا لأمر عجيب, لا كرب وأنت رب, {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين}, وإذا كان الله معك فهل لك كرب؟ سيدنا يونس دخل بطن الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين}.
فيا أيها المؤمنون, هل نستطيع أن نرجع إلى كلمة سيدنا يونس: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ}, توحَّدت وجهتنا إلى الله, هذا أولاً, توجَّهْ إلى الله لا إلى المخلوقات, لأن المخلوق لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً وإن كان حاكماً, توجه إلى الله واعلم بأن الضار والنافع إنما هو الله {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ} هذا أولاً.
ثانياً: أن تعترف وتقول: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين}, أعيدوا المظالم لأصحابها أيها الإخوة, أعيدوا الحقوق لأصحابها يا أيها الظلمة, وأرجو الله ألا يكون فينا ظالم, إن كنت ظالماً فأعد الحقوق لأصحابها, لأنه ربما بظلمك جاء البلاء على الأمة, {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}. فهل من عودة إلى هاتين النقطتين أيها الإخوة؟ {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ} توجهنا إلى الله, {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين} اعترفنا وأعدنا الحقوق لأصحابها, والله إن فعلنا ذلك فربنا هو القائل: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}, لأنه هو الذي قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ}, فلذلك لا يكشف هذا الضر إلا الله, واعلموا يقيناً قوله عز وجل: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَة}, فلنتوجَّه إلى الله. أقول هذا القول وكلٌّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
| |
|